مايا الخوري، الممثلة اللبنانية التي برزت في عالم التمثيل. بدأ شغف مايا بالفن في سن مبكرة، وسرعان ما أظهرت موهبتها، وإستطاعت أن تخطف قلوب الجمهور، بإطلالتها وجمال عينيها وصوتها الجذاب. تألقت مايا في مسيرتها الفنية منذ بدايتها عام 1969، وجسدت أدواراً متنوعة في عدد من المسلسلات والمسرحيات، التي حققت شهرة واسعة، وتركت بصمة قوية في ذاكرة المشاهدين، نذكر من أعمالها: "علمتني الحياة"، "مختار السبع بحرات" و"طفل من الماضي".
نشأتها
ولدت الشيخة مي جوزف الخوري، وهي من مشايخ آل الخوري بفرمان رسمي، والمعروفة بـ" مايا" أو "ميّا" عام 1949، وهي من بلدة إهمج قضاء جبيل. نشأت مايا ضمن أسرة كبيرة تتألف من 6 أولاد، بينهم أربع بنات وشابين. عشقت مايا الفن حين كانت في عمر الـ12 عاماً، وبدأت رحلتها الفنية في مقتبل العمر. كان لصوتها الجميل والبحة التي يتمتع بها، دور كبير في تميزها عن غيرها من الممثلات، كما تمتعت بجمال فريد، خصوصاً في عينيها اللتين أصبحتا محط أنظار الجمهور، حتى أنه بعد مشاركتها في مسلسل "مذكرات ممرضة"، ومسلسل "الأخوان" ومسلسل "الضحية"، كُتب عن مايا أنها "أجمل وجه لبناني".
مشوارها الفني
مايا بدأت مشوارها الفني عام 1969، من خلال عملها مع الممثلة اللبنانية إيفيت سرسق، وبالرغم من معارضة والد مايا دخولها عالم الفن، إلا أنه قرر دعمها، وأخذها إلى إيفيت سرسق لمساعدتها على تحقيق حلمها.
عملت مايا مع إيفيت لتسع سنوات، وكان شرط والد مايا عدم تقاضيها أي أجر مقابل أداء أدوارها. إستطاعت خلال تلك الفترة أن تبرز على الساحة الفنية، وباتت معروفة في مجالها.
خلال الحرب في لبنان، إبتعدت مايا عن التمثيل لفترة، بعد أن كانت قد شاركت في عدة مسلسلات بأدوار بطولة، وعملت مع كبار الممثلين، منهم أبو ملحم وأبو سليم، وعبد الله الحمصي وليلى حكيم، وسميرة بارودي.
عادت مايا للفن بعد ابتعادها لفترة، عندما قدم لها الممثل والمخرج اللبناني رشيد علامة، دوراً في مسلسل "رسول الخليفة"، ومن ثم عادت لتقديم المزيد من الأعمال الفنية.
ومن بين آخر أعمال مايا الخوري، مشاركتها في مسلسل "طفل من الماضي" عام 1995، مع الممثل اللبناني سمير شمص. وشاركت بعدها في مسلسل "الضحية".
أعمالها
جسدت مايا الخوري أدواراً متنوعة، في عدد كبير من المسلسلات والمسرحيات، وحققت شهرة واسعة خلال مسيرتها الفنية التي استمرت لسنوات. ومن أعمالها مشاركتها في مسلسل "علمتني الحياة"، بطولة عدد من الممثلين، من بينهم لمياء فغالي، ومارسيل مارينا، وسمير معلوف وعلي الزين.
كما شاركت عام 1967 في مسلسل "مختار السبع بحرات"، من بطولة الفنانة فريال كريم، والممثلين شفيق حسن، سمير شمس، إبراهيم مرعشلي وميشال تابت.
جسدت مايا أيضاً أدواراً مميزة في مسلسلات أخرى، منها "المنتقم"، الذي شارك فيه الفنان إحسان صادق والممثلة سميرة بارودي، ومسلسل "الفناء الأبيض"، عام 1974، مع الممثلين عبد المجيد مجذوب وجهاد الأطرش ووفاء طربيه.
وتعتبر مشاركتها في مسلسل "سمرا" عام 1977، أيضاً من الأعمال المهمة في مسيرتها الفنية، إذ جسدت في هذا المسلسل دور صديقة الفنانة اللبنانية سميرة توفيق.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت مايا الخوري في مسلسل "الأخوان"، مع الممثلين وجيه صقر وأسعد رشدان وغيرهما.
بين عامي 1988و1989، شاركت مايا بمسلسل "رسولة الخليفة"، مع الممثلين محمد إبراهيم، جيزال نصر وفادي إبراهيم، وصوّر مسلسل في اليونان، ولاقى نجاحاً كبيراً، رغم عدم عرضه في لبنان.
كما شاركت مايا في بطولة مسلسل "الضحية" عام 1996.
على الصعيد المسرحي، قدمت مايا الخوري عروضاً مسرحية مميزة، منها "المارسيليز العربي" عام 1975، مع الممثلين أنطوان كرباج وإلفيرا يونس وغيرهما.
زواجها
في عام 1970، تزوجت مايا الخوري من الممثل اللبناني أكرم الأحمر، عندما كانت في عمر العشرين. زواج مايا من أكرم يمثل قصة تجمع بين الفن والعواطف. كانت مايا قد تعرفت على أكرم من خلال التلفزيون، حيث كان الأحمر ممثلاً مثلها، وبالرغم من علاقة الحب القوية التي جمعت بينهما، والتي أثمرت زواجهما، إلا أن الصعوبات واجهتهما في هذه العلاقة، فوالد مايا كان معترضاً على هذا الزواج، ليس بسبب إختلاف الأديان بين الزوجين، إذ إن أكرم مسلم وينتمي للطائفة الشيعية، ومي مسيحية، بل كان الإعتراض بسبب مهنة أكرم كممثل. حاول والد مايا إبعادها عن أكرم، فأخذها إلى العاصمة الفرنسية باريس، إلا أنها ولظروف خاصة، عادت إلى لبنان. إستمر زواج مايا وأكرم ست سنوات، قبل أن ينفصلا عام 1976، وترجع أسباب الطلاق إلى أن زواجهما كان في سن صغيرة.
في عام 1986، تزوجت مايا الخوري من الطبيب سامي منصف، الذي كان يعمل طبيب جراح صدر وشرايين، الذي تعرفت عليه مايا بالصدفة، بعد تعرضها لعارض صحي، خلال تمثيلها في مسرحية "صهري مرت إبني"، فأخذتها والدتها إلى المستشفى لتتلقى العلاج، وكان سامي الطبيب المشرف على حالتها، وهنا بدأت القصة. وقع سامي في حب مايا، حتى طلب الزواج منها، وبقيت مايا مع سامي حتى وفاته، في 18 آب/أغسطس عام 1990. كانت علاقتهما مليئة بالحب، إذ كان الطبيب سامي يظهر حبه لـ مايا دائماً، حتى أنه وضع صورتها في عيادته الخاصة، ما يعكس عمق مشاعره تجاهها.
موقف غريب تعرضت له خلال عرض مسرحيتها
شاركت مايا الخوري في بطولة مسرحية "صهري مرت إبني "، مع الممثلين فؤاد اليوسف ولمياء فغالي، وحققت المسرحية نجاحاً كبيراً. تعرضت مايا خلال عرض المسرحية لموقف صعب، حيث كان يتطلب منها دورها، أن تتعامل بطريقة سيئة مع حماتها وزوجها، ومن شدة براعتها في التمثيل، وقدرتها على إقناع المشاهد بالمشهد، قام أحد الحضور برمي كرسي عليها، إعتراضاً على تعاملها بهذه الطريقة مع زوجها وحماتها، وذلك لأنه صدّق المشهد.
وتعاملت مايا مع الموقف بطريقة رائعة، إذ أكملت أداء دورها بشكل عادي، وعندما إنتهت المسرحية، وجهت مايا تحية للشخص الذي رمى عليها الكرسي، وقالت له إنه على حق، لأن دورها كان مستفزاً للمشاهد.
علاقتها بالفنانين
تُعتبر مايا الخوري واحدة من الشخصيات الفنية، التي كانت لديها علاقات قوية بعدد كبير من الفنانين والفنانات في الوسط الفني اللبناني والعربي، وتميزت هذه العلاقات بالصداقة والتعاون المستمر، وإمتدت على مر السنين.
من بين الذين كانت تربطهم علاقة قوية بـ مايا الخوري، نذكر المخرج إيلي غياض، الذي كان على إتصال دائم بها، وعرض عليها العديد من الأدوار في مسلسلاته. كانت مايا الخوري تُظهر إحتراماً وتقديراً كبيرين للفنانة سميرة توفيق، وكانت تحظى بمودة خاصة منها، وعملت معها في العديد من الأعمال الفنية، حتى أن سميرة توفيق أهدتها عباءة ووشاحاً للرأس، إحتفظت بهما مايا لسنوات طويلة.
كانت مايا على إتصال دائم بالممثلة وفاء طربيه، وكانت تجمعهما المودة، كما كانت مايا تفضل الممثلات ليلى كرم وليلى حكيم وعلياء نمري.
جمعت مايا بالممثلة اللبنانية هند أبي اللمع علاقة وطيدة، وكانت تطلقان على نفسيهما "الشيخة والأميرة"، أما من الجيل التالي، فكانت مايا تفضل الممثلات اللبنانيات روزي الخولي، رولا حمادة وكارمن لبس ونهلا داوود.
وفاتها
في السادس عشر من شهر كانون الثاني/يناير عام 2024، توفيت مايا الخوري عن عمر 73 عاماً. خلال السنوات الخمس الأخيرة من حياتها، عانت مايا من الضمور البصري، ما جعلها تواجه تحديات كبيرة في حياتها اليومية. قبل وفاتها بأقل من شهر، كسرت مايا رجلها، وبعدها أصيبت بمرض الإكتئاب العظمي، ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية، إلى أن توفيت بعد أقل من شهر، تاركة إرثاً فنياً ضخماً. رحلت مايا الخوري، ولكنها إنضمت إلى قائمة المبدعين الذين فقدتهم الساحة الفنية، والذين تركوا بصماتهم العميقة في عالم الفن، كما أن مايا كانت مؤمنة كثيراً بقيمها ومبادئها، ما جعلها تترك أثراً جميلاً في قلوب كل محبيها.
